فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن موسى عليه السلام كان قد ذكر لبني إسرائيل قوله: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الأرض} [الأعراف: 129] فهاهنا لما بين تعالى إهلاك القوم بالغرق على وجه العقوبة، بين ما فعله بالمؤمنين من الخيرات، وهو أنه تعالى أورثهم أرضهم وديارهم فقال: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها} والمراد من ذلك الاستضعاف أنه كان يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم ويأخذ منهم الجزية ويستعملهم في الأعمال الشاقة، واختلفوا في معنى مشارق الأرض ومغاربها، فبعضهم حمله على مشارق أرض الشام.
ومصر ومغاربها، لأنها هي التي كانت تحت تصرف فرعون لعنه الله وأيضًا قوله: {التى بَارَكْنَا فِيهَا} المراد باركنا فيها بالخصب وسعة الأرزاق وذلك لا يليق إلا بأرض الشام.
والقول الثاني: المراد جملة الأرض وذلك لأنه خرج من جملة بني إسرائيل داود وسليمان قد ملك الأرض، وهذا يدل على أن الأرض هاهنا اسم الجنس.
وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الحسنى على بَنِى إِسْرءيلَ} قيل المراد من {كَلمةُ ربك} قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا في الأرض} [القصص: 5] إلى قوله: {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} [القصص: 6] والحسنى تأنيث الأحسن صفة للكلمة، ومعنى تمت على بني إسرائيل، مضت عليهم واستمرت، من قولهم تم عليك الأمر إذا مضى عليك.
وقيل: معنى تمام الكلمة الحسنى إنجاز الوعد الذي تقدم بإهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض، وإنما كان الإنجاز تمامًا للكلام لأن الوعد بالشيء يبقى كالشيء المعلق.
فإذا حصل الموعود به فقد تم لك الوعد وكمل وقوله: {بِمَا صَبَرُواْ} أي إنما حصل ذلك التمام بسبب صبرهم، وحسبك به حاثًا على الصبر، ودالًا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله إليه، ومن قابله بالصبر وانتظار النصر ضمن الله له الفرج، وقرأ عاصم في رواية {وَتَمَّتْ كلمات رَبّكَ الحسنى} ونظيره {مِنْ ءايات رَبّهِ الكبرى} [النجم: 18] وقوله: {وَدَمَّرْنَا} قال الليث: الدمار الهلاك التام.
يقال: دمر القوم يدمرون دمارًا أي هلكوا، وقوله: {مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} قال ابن عباس يريد الصانع {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} قال الزجاج: يقال عرش يعرش ويعرش إذا بني، قيل: وما كانوا يعرشون من الجنات، ومنه قوله تعالى: {جنات معروشات} [الأنعام: 141] وقيل: {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} يرفعون من الأبنية المشيدة في السماء، كصرح هامان وفرعون.
وقرئ {يعرشون} بالكسر والضم، وذكر اليزيدي أن الكسر أفصح، قال صاحب الكشاف: وبلغني أنه قرأ بعض الناس {يغرسون} من غرس الأشجار وما أحسبه إلا تصحيفًا منه، وهذا آخر ما ذكره الله تعالى من قصة فرعون وقومه وتكذيبهم بآيات الله تعالى. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله: {وَأَوْرَثْنَا القوم} يعني بني إسرائيل {الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض} أي: الأرض المقدسة {ومغاربها} يعني: الأردن وفلسطين.
ويقال: مشارق الأرض يعني: الشام ومغاربها {التى بَارَكْنَا فِيهَا} يعني بالبركة الماء والثمار الكثيرة {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الحسنى} يقول: وجبت نصرة ربك بالإحسان {على بَنِى إسراءيل} قال مجاهد: هو ظهور قوم موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض.
وقال مقاتل: يعني: بالكلمة التي ذكرها في سورة القصص {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} [القصص: 5] وقال الكلبي: وتمت كلمة ربك يعني: نعمة ربك الحسنى.
يعني: أنهم يجزون الحسنى الجنة {بِمَا صَبَرُواْ} ولم يدخلوا في دين فرعون.
ويقال: وتمت كلمة ربك أي: ما وعدهم الله من إهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض.
ثم قال: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} يعني: أهلكنا ما كان يعمل فرعون، وأبطلنا كيده ومكره.
{وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} يعني: أهلكنا ما كانوا يبنون من البيوت والكروم.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {يَعْرِشُونَ} بضم الراء.
وقرأ الباقون بالكسر ومعناهما واحد. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يستقلون.
والثاني: يستذلون وهم بنو إِسرائيل.
{مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يريد الشرق والغرب، قاله ابن عيسى.
والثاني: أرض الشام ومصر، قاله الحسن.
والثالث: أرض الشام وحدها شرقها وغربها، قاله قتادة.
{الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} فيه قولان:
أحدهما: بالخصب.
والثاني: بكثرة الأنهار والأشجار والثمار.
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} فيها قولان:
أحدهما: أن تمام كلمة الحسنى ما وعدهم من هلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض بقوله: {عَسَى رَبُّكُم أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُم وَيَسْتَخْلِفَكُم} وسماها الحسنى لأنه وعد بما يحبون.
والثاني: هو قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِنَ لَهُم فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 5، 6].
وفي قوله: {بِمَا صَبَرُواْ} وجهان:
أحدهما: بما صبروا على أذى فرعون.
والثاني: بما صبروا على طاعة الله. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}.
قوله: {الذين كانوا يستضعفون} كناية عن بني إسرائيل لاستعباد فرعون لهم وغلبته عليهم، وقوله: {مشارق الأرض ومغاربها} قال الحسن وقتادة وغيرهما: يريد أرض الشام، وقال أبو جعفر النحاس: وقيل يراد أرض مصر وهو قول الحسن في كتاب النقاش، وقالت فرقة: يريد الأرض كلها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يتجه إما على المجاز لأنه ملكهم بلادًا كثيرة، وإما على الحقيقة في أنه ملك ذريتهم وهو سليمان بن داود ولكن الذي يليق بمعنى الآية وروي فيها هو أنه ملك أبناء المستضعفين بأعيانهم مشارق الأرض ومغاربها لاسيما بوصفه الأرض بأنها التي بارك فيها ولا يتصف بهذه الصفة وينفرد بها أكثر من غيرها إلا أرض الشام لما بها من الماء والشجر والنعم والفوائد، وحكى الطبري عن قائل لم يسمه وذكر الزهراوي أنه الفراء: أن {مشارق الأرض ومغاربها} نصب على الظرف أي يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، وأن قوله: {التي باركنا فيها} معمول ل {أورثنا}، وضعفه الطبري، وكذلك هو قول غير متجه، و{التي} في موضع خفض نعت ل {الأرض}، ويجوز أن يكون في موضع نصب نعت لمشارق ومغارب، وقوله: {وتمت كلمة ربك الحسنى} أي ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه، قاله مجاهد، وقال المهدوي: وهي قوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} [القصص: 5] وقيل هي قوله: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم} [الأعراف: 129]، وروي عن أبي عمرو {كلمات} و{يعرشون} قال ابن عباس ومجاهد معناه يبنون وعرش البيت سقفه والعرش البناء والتنضيد وقال الحسن هي في الكروم وما أشبهها وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم بكسر الراء، وقرأ الباقون: ابن عامر وعاصم فيما روي عنه والحسن وأبو رجاء ورجاء ومجاهد بضمها، وكذلك في سورة النحل وهما لغتان، وقرأ ابن أبي عبلة {يُعَرَّشون} و{يُعَكِّفون} بضم الياء فيهما وفتحة العين مشددة الراء والكاف مكسورتين.
قال القاضي أبو محمد: ورأيت للحسن البصري أنه احتج بقوله تعالى: {وتمت كلمة ربك} إلى آخر الآية، على أنه لا ينبغي أن يخرج على ملوك السوء وإنما ينبغي أن يصبر عليهم، فإن الله تعالى يدمرهم، ورأيت لغيره أنه قال: إذا قابل الناس البلاء بمثله وكلهم الله إليه، وإذا قابلوه بالصبر وانتظار الفرج أتى الله بالفرج، وروي هذا القول أيضًا عن الحسن. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وأورثنا القوم} يعني بني إسرائيل.
{الذين كانوا يُستَضعفون} أي: يُستَذلون بذبح الأبناء، واستخدام النساء، وتسخير الرجال.
{مشارق الأرض ومغاربها} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مشارق الشام ومغاربها، قاله الحسن.
والثاني: مشارق أرض الشام ومصر.
والثالث: أنه على إطلاقه في شرق الأرض وغربها.
قوله تعالى: {التي باركنا فيها} قال ابن عباس: بالماء والشجر.
قوله تعالى: {وتمت كلمة ربك الحسنى} وهي وعد الله لبني إسرائيل باهلاك عدوهم، واستخلافهم في الأرض، وذلك في قوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} [القصص: 5] وقد بَيَّنا علة تسمية ذلك كلِّه في [آل عمران: 146].
قوله تعالى: {بما صبروا} فيه قولان:
أحدهما: على طاعة الله تعالى.
والثاني: على أذى فرعون.
قوله تعالى: {ودمَّرنا} أي: أهلكنا {ما كان يصنع فرعون وقومه} من العمارات والمزارع، والدمار: الهلاك.
{وما كانوا يعرشون} أي: يبنون.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {يعرِشون} بكسر الراء هاهنا وفي [النحل: 68].
وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بضم الراء فيهما.
وقرأ ابن أبي عبلة: {يُعرِّشون} بالتشديد.
قال الزجاج: يقال: عَرَشَ يَعْرِشُ ويَعْرُشُ: إذا بنى. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم} يريد بني إسرائيل.
{الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} أي يُسْتَذَلُّون بالخدمة.
{مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا} زعم الكِسائي والفرَّاء أن الأصل في مشارق الأرض ومغاربها ثم حُذِفَ في فنصب.
والظاهر أنهم وَرِثوا أرض القبط.
فهما نصبٌ على المفعول الصريح؛ يقال: ورِثت المال وأورثته المال؛ فلما تعدّى الفعل بالهمزة نصب مفعولين.
والأرض هي أرض الشأم ومصر.
ومشارقها ومغاربها جهاتُ الشرق والغرب بها؛ فالأرض مخصوصة، عن الحسن وقَتادة وغيرهما.
وقيل: أراد جميع الأرض؛ لأنّ مِن بني إسرائيل داود وسليمان وقد ملكا الأرض.
{التي بَارَكْنَا فِيهَا} أي بإخراج الزروع والثمار والأنهار.
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى على بني إِسْرَائِيلَ} هي قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} [القصص: 5].
{بِمَا صَبَرُواْ} أي بصبرهم على أذى فرعون، وعلى أمر الله بعد أن آمنوا بموسى.
{وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} يقال: عَرَش يَعْرِش إذا بَنَى.
قال ابن عباس ومجاهد: أي ما كانوا يبنون من القصور وغيرها.
وقال الحسن: هو تعريش الكَرْم.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم {يَعْرُشون} بضم الراء.
قال الكسائيّ: هي لغة تميم.
وقرأ إبراهيم بن أبي عَبْلَة {يُعرِّشون} بتشديد الراء وضم الياء. اهـ.